نفس القصة تعاد بصور مختلفة، والنتيجة «دق» مستمر ومتواصل فوق رؤوس «فارغة» لإثارة فتنة بين افراد شعب تعايشوا معا منذ اكثر من ألف و400 عام.
هي ذاتها «الاشاعات».. و«الخزعبلات» و«الروايات».. شاب «مسلم» ارتبط بعلاقة عاطفية مع فتاة «مسيحية» فتشتعل الدنيا، وتهرق الدماء.. وتنتقل النيران من بيت الى بيت، حتى تطال بيوت العبادة ذاتها.
.. «فتاة» مسيحية «تختفي» لسبب أو لآخر، فتتواتر الاقوال حول «اعتناقها» للاسلام، و«تزويجها» من شاب مسلم، و«حرمة» إعادتها لاهلها أو رؤيتهم لها، ولا احد يملك الحقيقة، فيبدأ نفس المسلسل المشئوم.
شابة «مسلمة» تهجر بيت ابيها، وهناك عشرات الاسباب الاجتماعية لذلك، فتسري الشائعات كالنيران بالحطب والقش فوق اسطح منازل الريف في يوم صيفي قائظ، لقد خطفها «قسيس» وتم «تنصيرها» وعلى الجميع الانتقام ورد الشرف.
.. مخبول.. أو مختل العقل.. أو مغرض مأجور.. يرسم صليباً على حائط مسجد، أو يكتب «الشهادة» على سور كنيسة، أو يلقي بطوبة مهشماً زجاج دار عبادة، فيخرج كل ما في الصدور من لهب يحرق الجميع.
.. «مكوجي» مسيحي يحرق قميص شاب مسلم، أو العكس، فتنطلق نذر حرب أهلية، وتتطاير طلقات الرصاص في أزقة القرية المنكوبة بعقول أبنائها.
أما بخصوص الحادثة الأخيرة في منطقة «الخصوص» بمحافظة القليوبية، فحسب مدير أمن القليوبية كان هناك أطفال مسلمون يلعبون بجوار معهد أزهري، ورسموا رسوماً «بالطباشير» على سور المعهد، بينها ما يشبه الصليب المعقوف، رمز النازية،.. وعلى الفور انتقلت الشائعات بأن شاباً مسيحياً رسم «الصليب» على جدار المعهد الأزهري، وشهد البعض أنهم رأوه رأي العين، وكانت المشاجرة.. فالقتل.. فالانتقام.. فالحرق.. حتى بلغ القتلى 8 والمصابون أكثر، وخرجت الأمور عن السيطرة.
وأمام عيون العالم يتم تصوير الأمر على انه فتنة طائفية تعتدي فيها الأغلبية المسلمة على الأقلية المسيحية، وتخرج الأصوات الناعقة مطالبة بتدخل «العالم الحر» لحمايتهم.
هل اصبحت العلاقة بين «لحمة الأمة وسداها» بهذه الهشاشة؟.. اذا كانت الاجابة بنعم فلابد من «وقفة» حقيقية مع انفسنا نعيد فيها حساباتنا، ونعيد التأكيد على ان «الدين لله.. والوطن للجميع» مسلمين ومسيحيين، وان اي طرح غير ذلك ستكون عواقبه وخيمة على الجميع.
هل كنا ندفن رؤوسنا في الرمال طوال العقود الماضية، ونترك «مافي القلوب في القلوب» حتى اتت «الثورة المباركة» لتكشف لنا اسوأ ما فينا.. عنصرية بغيضة.. لا مجال فيها للتسامح والتراحم والمودة؟
.. أين شعارات «يحيا الهلال مع الصليب» و«مسلم ومسيحي ايد واحدة»؟ .. وأين المشهد الرائع الذي اذهل العالم للمصري المسيحي وهو يصب ماء الوضوء لأخيه المسلم، .. والمصريون المسيحيون وهم يحرسون اخوانهم المسلمين وهم يصلون الجمعة في ميدان التحرير، .. والمصريون المسلمون وهم يحرسون الكنائس المسيحية عشية أعياد الميلاد.
يا مصريون - مسيحيين ومسلمين - استعيدوا روح 25 يناير، واستذكروا وقفاتكم المشتركة، وآمالكم الواحدة في وطن يعتز بكم وتعتزون به، ويفخر بكم، وتفتخرون به، تبنوه بسواعدكم لأبنائكم جميعاً، بدلاً من أن تستيقظوا يوماً فلا تجدون وطناً تبكون على ترابه.
وحفظ الله مصر وشعبها من كل سوء.