.. إصلاح التعليم في مصر هو الأمل، وبدونه لن نتقدم خطوة واحدة إلى الأمام.
اعتقادي الشخصي أن الجيل الذي قام بثورة يناير، لن يجني ثمارها، ولن يقطف من شهدها سوى نجاحه في إزاحة الطاغية، ومنع توريث البلد لننوس عين أمه، وسنستغرق السنوات القادمة من أعمار هذا الجيل في تنظيف «مصر» - بالمعنى الحرفي – من أكوام المشاكل الاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية، و«غسيل» نفوس وعقول وقلوب وضمائر وسلوك المصريين من «العاهات» التي غرسها ورسخها وشجعها واعتمدها النظام على مدى الـ60 عاماً الماضية، وما قبلها أيضاً فالحقب الأخيرة للعهد الملكي لم تكن وردية أبداً، ولكن الأسوأ على الإطلاق – فيما أعتقد – كان ما حدث في العشرين عاماً الأخيرة من حكم المخلوع.
الأمل إذاً ينتظر فيما بعد السنوات العشر المقبلة، عندما يتخرج الجيل الذي بدأ دخول مرحلة الشباب الآن، ويبدأ في تغيير واقع سوق العمل المصري بمخرجات تعليمية جديدة تواكب احتياجات المستقبل التي يجب أن نعد لها منذ الآن، دون إبطاء، أو تلكؤ.
شخصياً.. لست خبيراً في تطوير مناهج التعليم، ولا باحثاً في شؤونه، ولكن عملياً أؤكد لكم انني طوال العشرين عاماً الماضية ألمس وأخجل من مستوى التراجع الذي يحظى به أغلب خريجينا، والحمد لله أن مصر لم تعقم وجود قلة من المصريين وعوا حجم المأساة، فصرفوا «دم قلبهم» لإنقاذ أبنائهم من مستوى التعليم المنحدر، وقلة أخرى وهبها الله ذكاء حاداً يُمكّنها من تعليم نفسها بنفسها، ولولا هؤلاء وأولئك لكنا نعيش كارثة كاملة مطبقة.
لا أسعى لجلد الذات ثم الصمت والانتحاب.. أبداً.. أبداً، فقط لابد من الاعتراف بالمشكلة وخطورتها وأثرها على مستقبلنا، قبل أن نبحث عن حلول.
أعلم أن لمصر خصوصيتها، ولكن ذلك لا يعني أن نعيد اختراع العجلة، فهناك تجارب للآخرين يجب الاستفادة منها، والبدء من حيث انتهوا، ومن أنجح هذه التجارب ما فعله الدكتاتور العادل مهاتير محمد في ماليزيا التي تسلمها في ظروف «تعليمية» تشبه ما نحن فيه الآن.
وشغل مهاتير منصب وزير التربية بين 1974 و1981 عندما أصبح رئيساً للوزراء ليستمر 22 عاماً قبل أن يتقاعد (برغبته دون إقالة)، ويترك ماليزيا في قمة مجدها.
وعندما زار مصر.. وسألوه النصيحة قال: «إصلاح نظام التعليم فوراً، ثم تفهم القيود التي تفرضها الديموقراطية وإلا ستنهار البلاد».
منذ قيام الثورة والعديد من الجامعات الخاصة تنتظر صدور قرار جمهوري لتبدأ نشاطها، وللأسف الشديد هناك العديد من الجامعات الخاصة، والحكومية أيضاً، وصل التعليم فيها الى مستوى شديد التدني، جعل دول العالم الخارجي التي تحترم نفسها، ترفض اعتماد الشهادات التي تمنحها هذه الجامعات، وبعض هذه الدول يجبر المصريين الراغبين في العمل على أراضيها بمعادلة شهاداتهم من خلال اختبارات بالغة الصعوبة.
والآن لدينا فرصة ذهبية لتطبيق مبدأ سبقتنا إليه دول كثيرة عربية وأجنبية، ألا وهو عدم السماح بالنظر في أي طلب لإنشاء جامعة أجنبية أو فرع لها في مصر، ما لم يكن ترتيب هذه الجامعة ضمن التصنيف الدولي المعتمد للمائتي جامعة الأولى على مستوى العالم خلال ثلاثة أعوام متتالية على الأقل، وبذلك نضمن أن الجامعة التي سيتعلم فيها أبناؤنا.. محترمة.. وتحافظ على سمعتها، ولن يسمح القائمون عليها بتلويث اسمها بوضعه على جامعة أو فرع لا يطبّق قوانينها وشروطها الصارمة، ونغلق الباب تماماً أمام الجامعات التي يمكن أن نطلق عليها دون أن نظلمها «جامعات تحت بير السلم»، نعم تلك الجامعات «الصورية» التي تحمل أسماء أجنبية جوفاء.. لا تعبّر عن أي شيء.. ولا تفيدنا في بناء الجيل الذي نعتمد عليه في تغيير وجه مصر.. وبالمناسبة أردوغان أعلن أمس بفخر أن تركيا افتتحت 92 جامعة جديدة خلال السنوات الـ10 الماضية.. فانظروا ما هي شروطهم وطبّقوها!! اللهم قد بلّغت.. اللهم فاشهد.
وحفظ الله مصر وشعبها من كل سوء.

حسام فتحي
hossam@alwatan.com.kw
twitter@hossamfathy66