للمشتاقين فيما يشتاقون إليه مذاهب، والشوق أنواع.. أرفعها درجة الشوق للقاء وجه الله سبحانه وتعالى.. رزقنا الله وإياكم شرف لقاء وجهه الكريم.. وقد كابدت خلال الأيام الماضية شوقاً من نوع آخر، شوقاً إلى رائحة حبر القلم، وملمس الورق، والاستماع إلى صوت ذلك الاحتكاك المحبب للسن الصلب وهو يداعب السطح الخشن.
شوق الكاتب إلى قرائه ومحبيه، ومتابعيه ومعلقيه، وأصحابه وناقديه،.. فلكل من هؤلاء شوق خاص يشعر الكاتب أن قلبه حي ينبض،.. وعقله يقظ يفكر،.. وقلمه صلب يعبر، وضميره ثائر.. لا يحيد ولا يضمر.
33 يوماً مرت على مقالي الأخير {.. واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا}.. قضيتها بعيداً عن «الوطن»، على الجانب الآخر من الأرض، خاضعاً لأوامر أصحاب المعاطف البيضاء، معزولاً في أغلب الأوقات عن جميع وسائل الاتصال الحديثة، فكان لابد من التوقف عن «فعل» الكتابة، حتى لا تأتي الحروف خارج السياق،.. والكلمات بعيداً عن الهدف،.. والسطور غير محققة للمأمول، وها نحن عدنا.. ولعل العود يكون أحمد!!
عدت بعد مرور 34 يوماً على فوز «الرئيس» مرسي، وكان المقال الأخير قد نشر يوم 23 يونيو، أي قبل إعلان نتيجة فوزه بيوم واحد،.. وبعد حمد الله سبحانه وتعالى، والثناء على نعمته بعدم فوز الشفيق فريق، أخذت أرقب تحركات «الرئيس» مرسي، ولا أقول إنجازاته – فالرجل لن يصلح في 30 يوماً ما أفسده غيره في عشرات السنين -، وكذلك أتابع بعين الإعلامي أداء الإعلام المصري تجاه الرجل، وفوجئت بحقائق تستحق الرصد والمتابعة.
منذ اليوم الأول توجه الرجل ببصيرته إلى الشعب، بعدة قرارات معنوية، أكثر منها عملية، فمنع تعليق صوره في الأماكن الرسمية، وأمر بحجب التهاني الممجوجة، والتقى أسر وذوي الشهداء، وأمر ألا يعطل موكبه حركة المرور، ورفع علاوات المعاش، والسنوية، وزاد الضمان الاجتماعي، وأفرج عن 457 مدنيا صدرت ضدهم أحكام عسكرية، ثم أطلق حملة «وطن نظيف ليس فيه قمامة»، وكنت أتمنى أن يقتصر الاسم على «وطن نظيف» فقط، ليتم تنظيف، وتطهير «الوطن» من كل القاذورات والأدران التي تراكمت على وجهه الجميل طوال 6 عقود أو تزيد.
كلف «الرئيس» مرسي، رجلاً «لم يتلوث»، ولم ينتم إلى أي تيار ديني، ومعروف بالعلم والعمل هو د.هشام قنديل ليترأس مجلس الوزراء، وأعتقد أنه من أبسط قواعد العدالة أن نعطي الرجلين – مرسي وقنديل – فرصة كافية لتنفيذ مشاريعهما، بعدها نحكم عليهما.
أما الإعلام – الرسمي والخاص – فقد شاهدت منه العجب العجاب، الحكومي مازال يتعامل مع الأمر، وكأنه غير مصدق لقيام الثورة أساساً!!.. وما زالت بعض رموزه تبحث عن «حذاء» تلعقه، ويبدو أنها وجدت في «البيادة» العسكرية ضالتها!.. وبعض آخر اتجهت بوصلته إلى مجلس الشورى، ولجنته «الأعجوبة» لتعيين رؤساء التحرير، فبدأ يستعرض قدراته الفذة، ويقوم «بعجين الفلاحة»، و«الشقلبة» في الهواء، و«نومة العازب» عند اللزوم!! وصحفه المطبوعة، وقنواته الفضائية تترنح تحت سنابك «بعض» الصحف المستقلة المحترمة،.. والفضائيات القوية!
أما الإعلام الخاص فتحولت بعض صحفه إلى ماكينة ردح تشبه ماكينة إطلاق كرات التنس لتدريب اللاعبين! ولا تتورع عن استخدام «أقذع» ألفاظ الشوارع في التعامل مع «الرئيس» مرسي، لا تفرق بين نقد وسب، وتوجيه وقدح، تشاركها في ذلك بعض الفضائيات التي اقتاتت برامجها على «زفارة» ألسنة ضيوفها.
يا سادة يا كرام.. أمنحوا الرجل فرصة ثم حاسبوه، وأثناء ذلك انقدوه بقسوة دون سب، واظهروا له عيوب قراراته دون «قلة أدب»، وقوموا بدوركم الإعلامي دون أن تتحولوا إلى فريقين لا ثالث لهما: منافقون أو متآمرون.
.. واللهم احفظ مصر وشعبها من كيد الكائدين، وحقد الحاقدين، وتذلف المنافقين، وسموم المتآمرين.
حسام فتحي
hossam@alwatan.com.kw
twitter@hossamfathy66