قبل سنوات طويلة – ربما عام 2003 – كنت عائدا الى الكويت من مهمة عمل في دبي، وكانت الطائرة شبه ممتلئة، وتوشك على اغلاق ابوابها استعدادا للاقلاع عندما دخل من الباب مسرعاً ممسكا بحقيبة اوراق منتفخة، ووقف دقيقة يتحدث مع رئيس طاقم الضيافة، قبل ان يصطحبه مارا بمقاعد الدرجة الاولى الى منتصف الطائرة، حيث جلس، وعندما عاد المضيف امسكت بذراعه وسألته أليس الشخص الذي صحبته «فلان»، فأجاب بالايجاب وانه في مهمة رسمية استدعت سفره فورا الى الكويت ولم يجد مقعداً سوى على الدرجة السياحية، فاصررت ان استبدل مقعدي معه لاجلس في الدرجة السياحية، ويجلس هو مكاني بالدرجة الاولى، وبعد ابلاغه بذلك، ومحاولات رفض متتالية منه، وافق مع عبارات شكر وثناء على مصر واخلاق المصريين.. ومنذ ذلك الوقت لم تنقطع علاقتنا واصبحنا نتواصل هاتفيا، ونلتقي كلما زار الكويت.
اتحدث عن عبدالرحمن بن حمد العطية، أمين عام مجلس التعاون الخليجي السابق، الذي رشحته قطر لمنصب الأمين العام لجامعة الدول العربية خلفا لعمرو موسى.
المقدمة السابقة كانت ضرورية لاوضح انه لا يوجد أي خلاف شخصي مع الرجل الفاضل والسياسي المخضرم عبدالرحمن العطية، لكن الخلاف كل الخلاف مع توجه قطر للبحث عن دور اقليمي على حساب مصر، واستغلال المرحلة الحرجة التي تمر بها البلاد، وتركيز المجلس الاعلى للقوات المسلحة – الرئيس الفعلي لمصر – على الشأن الداخلي واعادة الاستقرار للبلد بعد الثورة، اقول استغلال الموقف لـ«خطف» منصب الامين العام لجامعة الدول العربية بعد انتهاء فترة عمرو موسى، الذي لم يحظ خلالها بشعبية لدى دول مجلس التعاون الخليجي لاسباب كثيرة، تعرفها قطر ويعرفها عمرو موسى، جعلته غير محبوب لدى العواصم الخليجية.
واعتقد صنَّاع القرار القطري ان ترشيح عبدالرحمن العطية - الذي يلقى قبولاً من دول الخليج واحتراماً لدى بقية الدول العربية -سيكون بمثابة «ضربة معلم» تصعد بقطر درجة على سلم الزعامة العربية المزعومة، في الوقت الذي كنت أتمنى أن تظهر الدوحة بعضاً من أخلاق الفرسان، ونبل «الشيوخ» وتكون أول من ينادي بأمين عام مصري، لا ينتمي الى النظام السابق، استعادة لدور الشقيقة الكبرى المفقود، وريادتها العربية والاقليمية التي اضاعها النظام السابق في زحمة اقرار خطط «التوريث» حتى تثبت الدوحة رغبتها في فتح صفحة جديدة مع «مصر الجديدة».
.. وما زلت أتمنى؟!

حسام فتحي
hossam@alwatan.com.kw
twitter@hossamfathy66


هذي المعارك لست أحسن خوضها
من ذا يحارب والغريم الثعلب
ومن المناضل والسلاح دسيسة
ومن المكافح والعدو العقرب
تأبى الرجولة ان تدنس سيفها
قد يغلب المقدام ساعة يغلب

رسالة المتنبي الأخيرة إلى سيف الدولة (الشاعر غازي القصيبي)