منذ محاولة الاغتيال الفاشلة للرئيس الراحل محمد حسني مبارك في إثيوبيا، ومصر الدولة في حالة «صد وجفا» مع أغلب دول القارة السمراء، ومع طول الجفاء يأتي الابتعاد ثم العداء، حتى وصلنا إلى مرحلة «صفر المونديال»، ثم تخلى الأفارقة عنا في قضية الحياة أو الموت المتعلقة بمياه النيل وحصتنا فيها وسد النهضة وما عانيناه ونعانيه وسنعانيه منه ومعه.

ومع عودة الاستقرار بدءاً من منتصف العقد الماضي بدأت الإدارة المصرية تنتبه للخسائر التي كابدناها في أفريقيا، والتردي في العلاقات مع دول حوض النيل خاصة، وعمقنا الاستراتيجي في أفريقيا بشكل عام، وبدأت تحركات هادئة ومدروسة لاستعادة المكانة المصرية في قلب أفريقيا.

وضمن أهم هذه التحركات، والتي تمت في هدوء، التعاقد مع تنزانيا على بناء سد «جوليوس نيريري»، العملاق على نهر «روفيجي» والذي يقوم بإنشاء وبناء السد ومحطة كهرومائية عملاقة تحالف مصري مكون من شركتي «المقاولون العرب» ومجموعة «السويدي»، بتكلفة تبلغ 2.9 مليار دولار، تتحملها مصر بالكامل.

ويحظى المشروع باهتمام مباشر من القيادة السياسية لما له من أهمية كبيرة، وأبعاد استراتيجية يتمثل بعضها في الآتي:

٭ إثبات جدارة واستحقاق الشركات المصرية في المشروعات العملاقة، ولا ننسى أن هناك دولاً عديدة ستتم إعادة إعمارها، وتسعى مصر لأن تكون لديها حصة فيها (العراق - سورية - ليبيا - اليمن).

٭ يتضمن الاتفاق إدارة مصر لتسويق كهرباء السد إلى 8 دول مجاورة لتنزانيا، ولهذا أهمية استراتيجية في توطيد العلاقات مع هذه الدول.

٭ تستفيد مصر من اتفاقيات لزراعة آلاف الأفدنة وسد حاجتها من نقص المحاصيل بالاتفاق مع حكومة تنزانيا.

٭ إثبات أن مصر تدعم التنمية في أفريقيا، ولا تعارض «مبدأ» إقامة السدود ولكن مع الالتزام بالاتفاقيات الدولية، وتقوم بدورها الإقليمي لتوفير الكهرباء لـ 17 مليون منزل في دولة أفريقية صديقة، بالإضافة إلى حماية البيئة والغابات من مخاطر السيول والمستنقعات والجفاف الموسمي، والحفاظ على الحياة البرية في واحدة من أكبر غابات العالم.

إنها مصر.. وصلوا على النبي.

وحفظ الله مصر وأهلها من كل سوء.