بعد أن صعدت الى مكتبي وأنا أفكر في الأرقام «المرعبة» التي صدمني بها الطبيب المحترم (ضغط الدم 160 على 110 ومستوى السكر 17)، قلت لنفسي آن الوقت الذي أتوقف فيه لأفكر قليلا.. وماذا بعد؟

خففت نصف إضاءة المكتب، وحوّلت صوت التلفزيون إلى وضع الصمت.. لكن شريط الأخبار ظل يعاندني: عشرات القتلى والجرحى في كييف - العالم مقبل على كارثة غذائية بسبب الحرب - أم تذبح أبناءها الثلاثة في مصر - العالم يشهد ارتفاعا صادما للأسعار - عشرات القتلى حصيلة الفيضانات في البرازيل - زلزال بمقياس 5 ريختر يضرب الكويت - وهو الأشد في تاريخها - نقل شاكيرا للمستشفى بعد اكتشافها خيانة بيكيه - انهيار آمبر هيرد بعد خسارة معركتها القضائية مع جوني ديب!!

تعوذت بالله الرحيم من الشيطان الرجيم، وحوّلت قناة التلفزيون إلى «ديسكفري شانيل».. فإذا بتمساح ضخم يتسلل بهدوء ليطبق فكيه على غزال صغير ابتعد خطوات عن أمه وهما يشربان الماء، فدفع حياته ثمنا لشربة ماء، وأمه الملتاعة تنظر إليه وهو بين فكي التمساح، دونما حول ولا قوة.

أشحت ببصري بعيدا عن الشاشة الدامية، ونقرت فأرة الكمبيوتر بحثا عن موسيقى هادئة تساعد على التفكير والخروج من دوامة «السياسة» وبئر «الاقتصاد» وانعكاسات الحروب والفيضانات، وما أن بدأت الموسيقى تنساب هادئة، حتى انفتح الباب فجأة واندفع منه زميل صحافي عزيز وهو يتفصد عرقا، وقد اختلطت تعبيرات وجهه حتى لم أعد أعرف هل اندفع الى مكتبي فرحا أم غضبا، وبادرني: صباح الخير - ولم ينتظر ردي - وواصل الكلام: حضرتك يعني مكتبتش ولا كلمة عن المصيبة اللي حلت بالنادي الأهلي وخسارة النهائي أمام الوداد المغربي في الدار البيضاء، والظلم اللي حصل لنادي القرن على أيدي «الكاف» بمعاونة وتواطؤ اتحاد الكرة المصري الذي أخفى «عامدا» خطاب الاتحاد الأفريقي لكرة القدم والذي تم توجيهه إلى «جميع» الاتحادات الوطنية بتاريخ 19 يناير والخاص بفتح باب الترشح لاستضافة المباراة النهائية لدوري أبطال أفريقيا، والذي تم «إخفاؤه» بفعل فاعل في دهاليز الاتحاد المصري لكرة القدم؟.. وأيضا لم تكتب عن السيدة التي ذبحت أبناءها.. وانتبه فجأة الى صمتي وابتسامتي البائسة، ولم يدرك ما فعله «بضغطي وسكري».. وبقية يومي، وواصل حديثه.. مش هتطلب لنا قهوة ولا أيه؟

وغدا للحديث بقية.. إن كان في العمر بقية..

وحفظ الله مصر وأهلها من كل سوء.