بحكم عملي الصحفي في منطقة الخليج لأكثر من 30 عاما، تجولت في دول مجلس التعاون الخليجي الست، وتابعت نهضتها، وسمحت ظروف العمل سواء كمراسل لصحيفة الأهرام ومدير لمكتب الأهرام العربي في الكويت، ثم مدير لمكتب مؤسسة «أخبار اليوم» حتى الآن، أو كصحفي اقتصادي ومدير للتحرير في «الأنباء» ثم مدير للتحرير في جريدة «الوطن» الكويتية، سمحت الظروف بأن ألبي دعوات عديدة ومتتالية لمتابعة مؤتمر في دبي أو ندوة في عمان أو قمة في الرياض أو حدث في البحرين.. وخلال هذه الفترة الطويلة التي فاقت ثلاثة عقود تابعت بفخر مساهمة علامات مصرية بارزة في كل هذه الدول، فكان معظم أطباء الحكام من المصريين، وكذلك مؤسسو وكالات الأنباء الخليجية المختلفة، والتلفزيونات، والمذيعون، والبناءون العظام في دبي وأبوظبي وقطر والكويت، أصحاب المكاتب الهندسية العملاقة، وأساتذة الجامعة، بل ورؤساء الجامعات وكبار مكاتب المحاسبة، ورؤساء المحاكم والقضاة والفقهاء الدستوريون.. وكنت أشعر بـ«الفخر» و«الاعتزاز» بنماذج مشرفة، وضعت بصماتها الإيجابية ولمساتها المبدعة على مناحي الحياة في دول الخليج كافة.

.. ولكن - وآه ه ه من لكن هذه - كانت «الغصة» التي تصدمني في كل عاصمة خليجية، بل و«النصل» الحاد المغروس في قلب «مصريتي» هو ذلك المشهد «المهين» لمئات العمال المصريين البسطاء الذين «يجلسون» في قلب ميدان بعينه من بعد صلاة الفجر، وكل منهم يحمل أداة من أدوات البناء، أو بعضها حسب ما يتيسر له، منتظرين أن تهدئ سيارة من سرعتها بجوارهم ويطلب قائدها عاملا أو اثنين للقيام بعمل بسيط كهدم جدار أو بناء حائط، فيتجمع حول السيارة عشرات العمال، تدفعهم الحاجة للادعاء بأنهم «أسطوات مهرة» في كل الحرف!! وخبراء في كل شيء، وقادرون على فعل كل شيء وأي شيء مقابل حفنة ريالات أو بضعة دراهم أو دنانير معدودات.

ولم أترك سفيرا مصريا في العواصم التي زرتها، أو عملت بها إلا وسألته حلا لهذا المشهد «المهين»، وكانت ردودهم تتباين حول الدفاع عن حقهم في العمل، أو إلقاء اللوم على القاهرة أو العاصمة المضيفة، ولكن لا حل، حتى اضطرت السلطات المحلية للتشديد على تجمعات العمالة، ما أدى لاختفاء التجمعات، وتفرق العمال!!

وأخيرا كشف وزير القوى العاملة محمد سعفان عن خطة تضعها الوزارة لإلزام كل عامل مصري يسعى للسفر إلى الخارج بجرعة تدريبية يكون مؤهلا بموجبها للعمل في مجاله، فضلا عن إصدار شهادة «دولية معتمدة» بإتمامه التدريب.

وأقول لمعالي الوزير: «لو» نجحت في تحقيق ذلك فقد أتيت «معجزة» تستحق أن يوضع لمعاليك تمثال أمام مبنى مجلس الوزراء وليس وزارة القوى العاملة فقط.. أتمنى لك النجاح وأن تستعيد عمالتنا المصرية «سمعتها» في الخارج..

وحفظ الله مصر وأهلها من كل سوء.