لا يكاد تمر بضعة أشهر إلا وتطالعنا وسائل الإعلام بسقوط أو هروب نصاب جديد ممن احترفوا الاستيلاء على مدخرات البسطاء (وغير البسطاء أحياناً) بزعم توظيف أموالهم في مشروعات أو تجارة تحقق أرباحا طائلة، وهم من يُطلق الإعلام على النصاب منهم لقب «مستريح» اختصاراً وتمييزاً له عن باقي النصابين الذين يبذلون الجهد والعرق للاستيلاء على أموال العباد!!

ومنذ ظهور «المستريحين» في نهاية الثمانينيات وحتى اليوم تتكرر القصة بحذافيرها مع تغيير طفيف في الخلفيات، بدءاً بالاتجار «غير المشروع» في العملات، مرورا بالإيهام بالاستثمار في الذهب، ثم الزئبق الأحمر لزوم استحضار الجن الأزرق لفتح كنوز مقابر الفراعنة!! ومن ثم تجارة الآثار نفسها!! وانتهاء بالعقارات والأجهزة الكهربية والتحويل «غير الرسمي» لمدخرات العاملين بالخارج وتداول العملات الإلكترونية مثل البيتكوين وشقيقاتها!!

ولأنه لا يوجد نصاب إلا إذا وجد «ضحية طماع» فالقصة تتكرر تقريباً «بحذافيرها».. «المستريح» أو «المستريحة» يجب أن يتمتع بشكل ظاهره التقوى والورع، ولا مانع من لقب الحاج والحاجة، وربما «زبيبة صلاة» مضروبة وذقن أو حجاب «عن غير اقتناع»، وتشكيلة صغيرة من «صبيان المستريح» تروج لأمانته وشطارته ونزاهته وعشقه للخير والإيثار، وما أن تبدأ العجلة في الدوران، ويبدأ تقاطر المودعين الضحايا حتى يبدأ «المستريح» في توزيع أرباح تتراوح بين 10 و25% شهريا!! طبعاً من أصول المبالغ التي يجمعها، ويقوم المودعون أنفسهم بعمل دعاية كاسحة بعد أن يقسموا لمن حولهم إن «عم الحاج المستريح راجل طيب أوي يا خال» وأعاد أغلب المبلغ المودع خلال شهور، «أي والله زيمبؤلك كده» ويا للمصداقية فالمتحدث هنا ينقل تجربته شخصياً ولا ينقل عن أحد!

فتنهمر الإيداعات على رأس «عم الحاج» أو في «حجر الست الحاجة» وفي اللحظة الفارقة، وعند الوصول لحد الكفاية، يختفي المستريح والمستريحة.. ومعهما «شقى عمر» الغلابة!

شخصياً لا أتعاطف مع «الغلابة الطماعين»، ولكن لماذا لا تنظر الدولة وبنوكها وأجهزتها الاستثمارية والبريد المصري، بعين الرحمة الى فئة من الغلابة، وليكن من تجاوز منهم الـ 60 عاما والمتقاعدون وأصحاب المعاشات من الأرامل ومن لا دخل ثابتا لهن، ومن لا يقدرون على إقامة مشروعات خاصة بهم أو بهن، والاتفاق على إصدار شهادات استثمار أو أي أوعية ادخارية تخصص لهذه الفئات، وتكون بعائد أعلى قليلاً من الأوعية المعتادة - تكريماً وحماية لأهلنا من كبار السن ممن لا يملكون دخلاً ثابتاً ولديهم بعض المدخرات

ولا يستطيعون إدارة تجارة أو رعاية استثمار مباشر - حتى لا يسطو عليها «عم الحاج المستريح»!

وحفظ الله مصر وأهلها من كل سوء.