إعادة صياغة الشخصية المصرية لمواجهة تحديات العصر أصبحت مطلباً ضرورياً حتى تعود إلى شخصية «المصري» السمات التي طالما عُرف بها، والتي تمكنه من التعامل مع ما يشهده العالم من تطور مرعب.

وحتى نتمكن من ذلك علينا أن نعترف بداية بأن مكونات الشخصية المصرية تم استهدافها على مدى عقود للتأثير فيها سلباً واستبدال مكوناتها وإحلال صفات سلبية عديدة مكانها، وذلك جنباً إلى جنب مع محاولة تحطيم منظومة القيم والمثل، والتشكيك في المعاني الأخلاقية الثابتة بهدف إعادة تشكيل هذه الشخصية، وسعت جهات متعددة إلى «تشويه» معاني الحق والخير والجمال والوفاء والشهامة والإيثار، وحاولت استزراع القبح والشر والحقد واللامبالاة والأنانية مكانها.

وحتى يمكنكم تخيل أثر ذلك في «صورة المصري الذهنية» دعوني أنقل لكم حواراً دار بيني وبين مسؤول مصري رفيع ومحترم بإحدى الدول العربية بحضور شخصيتين مهمتين من هذه الدولة الشقيقة في جلسة غير رسمية، إذ سأل المسؤول الرفيع ثلاثتنا: لماذا يتعرض المصريون لحملات «تنمر» في الخارج؟ وماذا نفعل لمعالجة ذلك؟

وبعد أن استمع سعادته إلى عبارات المجاملة وكلمات الإشادة الحقيقية بما قام ويقوم به المصريون من بناء وتعمير وتنمية في هذه الدولة الشقيقة وغيرها، وذكر الأمثلة والحقائق والأسماء والتواريخ، وإعادة التذكير بأن الجميع يذكر إرسال الشقيقة الكبرى مصر للمدرسين والأطباء في الخمسينيات ودفع رواتبهم من القاهرة.. إلخ، جاء دوري لأجيب سعادته مؤكداً ان المصريين الذين جاءوا إلى دول الخليج في خمسينيات القرن الماضي كانوا في الأغلب نماذج لمجتمع يحفظ القيم ويتمسك بالثوابت ويطبق المُثل، وكان أغلبهم، كما ذكرت، معلمين وأساتذة جامعة وأطباء ومحاسبين وغيرهم من أصحاب المهن، الذين أثّروا بعلمهم وعطائهم وأخلاقياتهم وسلوكهم في كل من تعامل معهم، ومع تغير الأجواء في مصر خاصة منذ الانفتاح الاقتصادي منتصف السبعينيات وحتى نهاية عهد مبارك عملت «معاول» هدم هائلة على تغيير «الشخصية» المصرية، وإحلال مفاهيم «الفهلوة» و«التذاكي» وتراجعت قيم «العلم» و«التعلم»، ومعها تغيرت مكونات «الجاليات» المصرية في دول الخليج، لنرى فئات جديدة لم تكن موجودة، ومع احترامنا لكل عمل شريف، وكل صاحب مهنة حرفي محترف يمتلك الخبرة والمهارة والتدريب ومقومات شرف المهنة، إلا أننا اصبحنا ننافس على حرف ومهن جديدة دون التسلح بالمهارات والتدريب والخبرة، فكان أن تغيرت الصورة.

ولم يعد «للشخصية المصرية» نفس «الوهج» والهيبة التي حظي بهما مدرسو وأطباء ودعاة ومهنيو الخمسينيات والستينيات وأوائل السبعينيات.

وحتى لا نتحول إلى «جلد الذات» أؤكد أن هناك عوامل أخرى كثيرة تداخلت للوصول إلى الوضع الحالي، منها السياسي والاقتصادي والاجتماعي، ومنها الداخلي والخارجي.

أما الرد على سؤال سعادتك ماذا نفعل؟.. فلذلك حديث آخر.. إن كان في العمر بقية.

وحفظ الله مصر وأهلها من كل سوء.