يبدو أن هناك مخططاً استراتيجياً لاستعادة الوعي المصري، وتذكية الشعور بالوطنية، وإعادة الإحساس للمصريين بالانتماء إلى تراب المحروسة، والذي تراجع خلال العقود الأخيرة وسط تصاعد اللامبالاة والنرجسية وانقسام الولاء واضمحلال الوطنية حتى وصل الأمر ببعض الشباب إلى عدم احترام السلام الوطني، وعندما أرادوا تصحيح الخطأ وإظهار الانتماء «تنططوا» وهم يرفعون علم اليمن الشقيق (نفس علم مصر بدون نسر صلاح الدين)!!
في ابريل الماضي استنشق المصريون جرعة هائلة من أوكسجين الشعور بالاعتزاز بوطنيتهم والفخر بمصريتهم عندما أبهرتنا احتفالية نقل المومياوات الملكية من المتحف المصري بالتحرير إلى المتحف القومي للحضارات، يومها كانت جرعة السحر والإبهار والتكنولوجيا.. «ماتعة» بكل المعايير، ونقل الحدث أكثر من 400 قناة ومحطة وإذاعة ووكالة أنباء، وظل العالم أياما طويلة لا حديث له سوى موكب ملوك الفراعنة.
وجاء يوم الخميس الماضي ومصر على موعد مع إعادة افتتاح طريق الكباش في الأقصر، أحد أقدم طرق العالم - أكثر من 3200 عام - والرابط بين أهم معبدين من معابد مصر الفرعونية، معبدي الكرنك والأقصر، وبعد أن كنا نعتقد أن موكب ملوك الفراعنة هو قمة الإبهار وذروة السحر، إذا بنا أمام مستوى آخر أكثر سحرا وأعظم إبهارا، ووقفت أجهزة إعلام العالم على أطراف أصابعها وهي تنقل الحدث الأهم في عالم السياحة والآثار، إعادة افتتاح طريق الكباش، وسط تطوير شامل لمدينة الأقصر التي سجلتها «اليونسكو» (كلها) ضمن أهم آثار العالم، وكيف لا وهي وحدها تضم قرابة ثلث آثار الدنيا المسجلة؟!
ها هم أبناء مصر ينفضون عن كواهلهم «غبار» التراجع ويتسارعون لاستعادة هيبة مصر ومكانتها وتذكير الدنيا بعظمتها وحضارتها، ويعيدون إلى مسامع العالم إنجازات الأجداد الذين بنوا حضارة لا تدانيها حضارة أخرى، وتركوا ما يدل على ذروة العلم، وقمة العمل وفخر الإنجازات.
مصر أيقونة التاريخ وتاج العلاء في مفرق الشرق، تعود واثقة الخُطى كملكة فرعونية تسير تحت قوس النصر، تعود لتقول للدنيا «أنا هنا» قد يخبو ضوئي لكن شمسي تعود أبداً ساطعة تنير الكون.
ومع أن موكب المومياوات الملكية وافتتاح طريق الكباش قد بهرا العالم.. إلا أن مصر لن تدع للدنيا فرصة لالتقاط الأنفاس وانتظروا الخميس 9 ديسمبر - بعد أيام قليلة - لتشهدوا احتفالية عالمية جديدة بمدينة سانت كاترين في افتتاح مشروع (التجلي الأعظم فوق أرض السلام)، هناك حيث البقعة الوحيدة في العالم التي تجلى فيها المولى - سبحانه وتعالى - إنها مصر يا سادة.. فصلّوا على النبي.
وحفظ الله مصر وأهلها من كل سوء.