أثناء متابعة الأرقام والإحصاءات خلال وجودي في القاهرة ترسخت لدي قناعة أن الإدارة الحالية «تختار» الأصعب والأشمل عند مواجهة المشاكل وبخاصة المزمنة منها، ولا تركن إلى أنصاف الحلول، أو الجراحات «الترقيعية»، وكان يمكن بربع هذا الجهد وربع هذا الإنفاق الهائل أن «تُحسّن» الصورة، و«تُجَمّل» اللوحة ولكنها حقاً انحازت للمستقبل وآثرت الحلول الجذرية.

والأمثلة على ذلك كثيرة: فلمواجهة الاختناق المروري المروع الذي عانت منه القاهرة كان الحل إقامة الطرق الدائرية، والجسور والكباري والأنفاق، وتطوير مترو الأنفاق، ثم مشروع «المونوريل» وتحديث منظومة السكك الحديدية، وتحملت إزاء ذلك هجوم جماعات حماية البيئة بسبب قطع الأشجار، ونقل رفات الموتى وهدم المقابر لتوسعة الطرق وشق الجديد منها.

وفي سبيل مواجهة كارثة السكن في المناطق غير الآمنة، وانتشار العشوائيات التي تنحدر الحياة فيهما بآدمية الإنسان، تم وضع و«تنفيذ» خطط لإزالة المناطق غير الآمنة وتطوير العشوائيات، وفوجئت بأرقام مجلس الوزراء تؤكد أن الشهر المقبل - نعم نهاية هذا العام 2021 - سيتم إعلان مصر خالية من السكن في المناطق غير الآمنة، و«كان» عددها 357 منطقة «يعيش» تحت نير خطرها 1.2 مليون مصري في 25 محافظة، وتم إنشاء 246 ألف وحدة سكنية لاستيعابهم بتكلفة 63 مليار جنيه (نحو 4 مليارات دولار) متضمنة قيمة الأرض وكلفة المشاريع.

أما القضاء على المناطق غير المخططة (العشوائيات) فمن المخطط أن يستمر تنفيذ خطته 9 سنوات أخرى لتعلن مصر خلوها من المناطق غير المخططة عام 2030 بإذن الله.

حيث ان مشكلتها أكبر وأضخم (لا سامح الله من تسبب فيها ولا من ساعد على نشأتها ولا من تغاضى عن التصدي لها على مدى أكثر من 40 عاما)، وتبلغ مساحة المناطق والأسواق غير المخططة أكثر من 152 ألف فدان، و1105 أسواق، وقد زرت مشروعات «الأسمرات» و«بشائر الخير» و«المحروسة» ولا أملك إلا الدعاء بالخير لمن خطط وقرر ونفذ هذا الحلم الرائع الذي أعاد كرامة العيش لبعض من أهالينا وحافظ على آدميتهم وغيَّر وجه الحياة في قاهرة المُعز وبقية المحافظات.. وأخرس ألسناً ما فتئت تعايرنا بفقرنا وأننا شعب نسكن العشوائيات والمقابر!!

ويفتقر الكثيرون منه للعيش اللائق بآدمية الإنسان!

وللحديث بقية.. إن كان في العمر بقية.

وحفظ الله مصر وأهلها من كل سوء.