ويأبى عام 2019 أن يرحل دون أن يكسر قلبي بفقدٍ جديد، ليغيّب الموت محمود صلاح الصديق.. الرقيق.. الذي زاد تواصلنا هاتفيا في شهور مرضه الأخيرة، خاصة بعد أن كتبت زاوية أطالب بمعالجته على نفقة الدولة، وأن يتدخل نقيب الصحفيين وقتها ـ عبدالمحسن سلامة ـ، وكان ذلك في 14 مايو 2018 في زاوية حملت عنوان «حوادث «صلاح» وجرائمه»..


تعرفت على «الأستاذ» محمود صلاح كقارئ منتظم لأخبار اليوم في أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات عندما التحقت بكلية الإعلام ـ قسم الصحافة، لأتحول من عاشق مدمن على قراءة كتابات محمود صلاح إلى دارس لرشاقة أسلوبه وإنسانية كلماته، بعد أن نجح في أن يسهم في زيادة توزيع «أخبار اليوم» ليتجاوز مليون نسخة، وكان القارئ يبدأ قراءة الصحيفة بصفحة «حوادث» محمود صلاح!

.. وبعد 10 سنوات عقب التخرج كان اللقاء والتزامل مع الراحل العزيز في صحيفة «الأنباء» الكويتية التي التحقت بها محرراً اقتصادياً عام 1989، وحطّ محمود رحاله فيها عام 1994 مُطلقاً صفحة رائعة بعنوان «البيوت أسرار»، صانعاً «حالة» خاصة من التواصل مع القارئ، لكنه لم يحتمل البُعد عن هواء المحروسة فعاد إليها وحافظ على علاقته الإنسانية مع الجميع.

عاد محمود صلاح إلى القاهرة وغادرت أنا «الأنباء» مديراً لتحرير صحيفة «الوطن» الكويتية (2005 ـ 2015) لأعود لـ «الأنباء» مرة أخرى مستشاراً، وكان من أول ما فعلت البحث عن محمود صلاح، وإعادة «البيوت أسرار» ليُطل الفارس الرقيق مرة أخرى على قرّائه في الكويت، وتتوطد علاقتنا لدرجة لم أتصورها، خاصة مع اشتداد المرض عليه وشعوره بدنو الأجل، فكانت المحادثات الهاتفية الطويلة، وكان تأثّري يشتد كلما شعرت بصوته أكثر حزناً.. ووهناً.. ومشاعره أصبحت أكثر حساسية لكل من حوله.

وبالرغم من كثرة محبيه، وأسرته التي التفّت حوله، إلا أن شعوره بالوحدة كان طاغياً في الشهور الأخيرة ولم يشكُ لي آلام الجسد، ولا ضغوط الحياة، ولكن فقط الافتقاد لدفء أحضان من يحبهم.

.. رحل «ملك» كتابة الحوادث وأخبار القضايا والجرائم، تاركاً قلوب محبيه مملوءة حزناً ولوعة على فِراقه.

رحل.. بعد أن ترك بصمة مهنية لم يقترب منها أحد على مدى أكثر من 40 عاماً.. وداعاً صديقي العزيز رقيق الحاشية.. مُرهف المشاعر.. رحل وفي قلبه المريض غُصّة.. أبَى أن يشارك فيها أحداً..

رحم الله محمود صلاح وأسكنه فسيح جناته.

وحفظ الله مصر وأهلها من كل سوء.