المغترب خارج مصر بحثاً عن لقمة عيش كريمة يلازمه كابوسان مزعجان، ضمن العديد من المشكلات التي يدفع فاتورتها، الكابوس الأول أن يتجرع كأس الفراق المر لعزيز عليه دون أن يتمكن من رؤيته قبل الفراق، وهو ألم ما بعده ألم!!
أما الكابوس الأكثر بشاعة فهو أن تصعد روح المغترب نفسه إلى بارئها، تاركة جسده على أرض غريبة، يحتار فيه من حوله - إذا وجد أحداً حوله أصلاً - هل يوارى الجسد الثرى حيثما صعدت الروح، أم يتكبدوا عناء ومشقة ومعاناة و«تكلفة» تجهيز و«شحن» (آسف للتعبير) الجسد المسجى إلى أرض الكنانة ليدفن في مقابر العائلة إلى جوار من سبقوه للقاء وجه كريم؟
أكثر من يعاني هذا الكابوس الأبشع هم أبناء مصر المغتربون في دول الخليج، حيث لا توجد تعليمات واضحة لدى السفارات والقنصليات للتعامل مع مسألة «نقل الجثمان للمصري المغترب»، وبعض القنصليات تعاملت مع الأمر بشكل إنساني عبر اللجان الخيرية لأبناء الجالية المصرية وتبرعاتهم، أو تحمل القنصلية للتكلفة بعد أن يحضر أصدقاء وذوو الراحل ما يثبت أنه «غير قادر مادياً على شحن جثمانه»!!
أذكر أنه في منتصف التسعينيات كانت هناك تعليمات «إنسانية» من رئيس الوزراء وقتها، أظنه كمال الجنزوري برصد مبلغ من الموازنة لشحن جثامين المغتربين غير القادرين، وفجأة.. وبهدوء اختفت هذه التعليمات، وأصبحت جثامين المصريين تحت رحمة الظروف!.. التي غالباً لا ترحم!!
وقبل أيام زار الكويت رئيس مجلس النواب المبجل الدكتور علي عبدالعال وتحدث للإعلاميين حول الموضوع قائلاً: «من المعروف أن إكرام الميت دفنه، ولكن نحن عاداتنا تجعلنا ندفن في موطننا الأصلي، وهي عقبة تواجهنا بسبب العادات والتقاليد».. واقترح أن يتم علاج تلك الإشكالية من خلال قيام المصري بالخارج بدفع رسوم طابع في صندوق باسم المصريين بالخارج مؤكداً أن الدولة لا تستطيع تحمل كلفة نقل الجثامين لأنها ميزانية مرهقة.. أفادكم الله يا فندم.. شخصياً أشكر وبشدة رئيس مجلس النواب الموقر الذي عبر عن رؤية الدولة المصرية لمشكلة استعادة جثامين مغتربيها، وشخصياً أوصيت كل من أعرف بأن تتم مواراة جسدي الثرى في أي مكان يسترد الله فيه أمانته، ولكن ألا تعتقد يا دكتور علي أن وجود قرابة 12 مليون مصري يعملون في الخارج يرتب على الدولة الموقرة وضع حلول لمن يرغب منهم في أن يحتضن تراب بلده جسده حتى لا يعيش مغترباً.. ويموت غريباً.. ويدفن في غربته وحيداً؟!
الحلول كثيرة، ربما أكثر من الـ 26.5 مليار دولار التي يحولها المصريون في الخارج لتضخ في اقتصاد المحروسة!!!
وحفظ الله مصر وأهلها من كل سوء.