استعددت لهذه اللحظة طويلا، قرأت الدروس الأربعة الأولى من كتاب «المطالعة الرشيدة» عشرات المرات حتى حفظت شكل الكلمات.. وتشكيل الحروف، فاليوم سيزور المدرسة «حضرة المفتش»، وطبعا ستصحبه الناظرة، والوكيلة، وستطلب مني مدرسة الفصل أن أترك مكاني في المقعد الأمامي لأجلس في الصف الأخير، لأنها تعرف «حيل» المفتشين الذين لا يسألون ساكني المقاعد الأمامية، وينتقون هؤلاء الجالسين بالمقاعد الخلفية ليختبروا مستوى التدريس واستيعاب التلاميذ، لكن المدرسات يتذاكين، ويبدلن أماكن التلاميذ عند زيارات المفتشين!!

..استذكاء مشروع؟!.. ربما.. وربما كان الدرس الأول في فن إخفاء التراب تحت السجادة.. عندما لا تكون هناك إمكانية للتنظيف الحقيقي!! (درس مبكر جدا في الغش).

..حدَّق سيادة المفتش برهة في وجه الطفل القابع في المقعد الأخير ، ودقق في ملامحه التي تكشف عن عمر لا يتجاوز السنوات الخمس، ثم التفت إلى «أبله سميحة» مدرسة فصل سنة أولى تالت متسائلا: «الولد ده ايه حكايته بالضبط أنا متأكد إني شفته الاسبوع الماضي في فصل آخر؟.. وصحب عبارته بابتسامة طمأنت المدرسة التي قالت شيئا لم أسمعه، لكننا سمعنا بعدها المفتش «المعتق» وهو يستدعي التلميذ من آخر الفصل ليربت على رأسه ويثني على إجاباته الوافية، وقراءته السريعة الخالية من الأخطاء، ثم يباغته بسؤال مفاجئ «انت في فصل ايه يا شاطر؟».. فيجيب التلميذ البريء، دون أن يلتفت لإشارات أصابع «أبله سميحة» من خلف كتفي المفتش «في سنة أولى اول يا حضرة المفتش»!!

لينفجر المفتش صارخا: «يعني مش من تلامذة أولى تالت؟! وتتلعثم الناظرة، وتنسحب الوكيلة، وتكاد «أبله سميحة» تفتك بالتلميذ البريء الذي صعقه الموقف فصرخ بأعلى صوته: «أعملكم ايه ماما قالت لي متكذبش أبدا.. لو هيموتوك».. قالها وهو يجري تجاه «حوش» المدرسة.

قرابة 50 عاما مرت على الواقعة، وأمي لاتزال توصي أحفادها: «ماتكذبوش أبدا.. ولو هيموتوكم.. ولا تتركوا صلاة تفوتكم فلا شيء يستحق ترك الصلاة.. صلوا ولو برموش عيونكم».. 50 عاما ومازال أأمن مكان في العالم هو.. حضن أمي.

اللهم بارك لي في عمر أمي، وألبسها ثوب العافية ومتعها بالصحة.. واجعلها من سيدات أهل الجنة، واغفر لها وأمهات العالمين.

وحفظ الله مصر وأهلها من كل سوء.

Twitter: @hossamfathy66
Facebook: hossamfathy66