أحياناً عندما تبتعد عن الصورة.. تراها أكثر وضوحاً..
وأضطر للسفر إلى كندا كل بضعة أشهر، وأبقى في عاصمتها الاقتصادية وأكبر مدنها «تورونتو» لعدة أيام.. وغالباً ما أقتطع سويعات للقاء بعض الأصدقاء من الجاليات العربية المهاجرة الى هذه البلاد الواعدة، والذين قرروا تحمل أجوائها القاسية 40ْ تحت الصفر في شتاء يمتد أحياناً إلى مشارف إبريل، وذلك غالباً بحثاً عن فرصة تعليم وحياة أفضل لأبنائهم.
وجاءت الزيارة الأخيرة قبل أيام قليلة لتمنحني فرصة التعرف على ثلاث نقاط مهمة، -1 معالجة الإعلام الغربي للعدوان الصهيوني الغاشم على أهلنا في غزة، وانعدام أي تأثير لإعلام عربي «محترف» وجاد.
-2 رؤية المتلقين للرسالة الإعلامية في هذه المنطقة من العالم البعيدة عنا جغرافياً، والاستماع إليهم.
-3 القناعات والرؤى التي تحكم علاقات «العرب» في المهجر، وخصوصاً الجيل الذي نشأ في المنطقة العربية، ثم هاجر إلى بلاد المهجر، وهو يختلف غالبا عن الجيل الثاني المولود هناك والذي تأثر بطرق التفكير والمنطق الغربي، وإن لم ينس جذوره وأصوله.
في النقطة الاولى للاسف لم تكن الرسالة الإعلامية تصل الى الغرب بوضوح، فواقع الأمر أن الغربيين الذين يهتمون بالشؤون الخارجية – وهم قلة – يستقون معلوماتهم من القنوات الاخبارية العالمية، وهذه كان انحيازها واضحا للجانب الصهيوني وكان التركيز المتعمد على نقطتين:
أ – التصاريح «العنترية» لقادة حماس وأعداد الصواريخ التي تطلقها المقاومة من غزة تجاه الكيان الصهيوني ثم الحاقها بمظاهر «الفزع» والرعب التي اجتاحت الاطفال والنساء والعجائز في الجزء المحتل من فلسطين.
ب – إبراز الفظائع التي تُرتكب في العراق وسورية، ويقوم بها مسلمون وضحاياها مسلمون، طبعا مع اخفاء مشاهد قطع الرؤوس، بالرغم من الحديث طوال الوقت عنها!!
وبالتالي كانت قناعات المواطنين الغربيين ورؤاهم لما يحدث ان «الدولة العبرية» تدافع عن نفسها وعن «الديموقراطية» ضد متوحشين مسلمين دمويين.. لو تمكنوا من اليهود لقطعوا رؤوسهم ومثلوا بجثثهم، ولم لا وهم يفعلون ذلك مع أشقائهم المسلمين لمجرد أنهم يخالفونهم في الرأي أو المذهب أو التوجه السياسي؟!!
أما قناعات وعلاقات العرب والمسلمين في المهجر، فكانت مخيبة للآمال في الأغلب الأعم، ولا تبشر باقتراب نجاحهم في تشكيل أي ضغط على حكومات الدول التي أصبحوا مواطنين فيها، وحملوا جنسياتها ومعها كافة حقوق المواطنة، أو على الأقل تشكيل «لوبي» ضاغط يوضح وجهة نظرهم في القضايا الأساسية.
للأسف نقل أغلب المهاجرين العرب خلافاتهم ومشاكلهم وكراهيتهم وتعصبهم إلى دول المهجر، ما منعهم من تشكيل أدوات ضغط تساند قضاياهم، وبالرغم من كثرتهم العددية فإن تشرذمهم أضعفهم، فتجد التكتلات منحصرة في أصحاب الجنسية الواحدة لا يفكرون في التداخل والتمازج مع الجنسيات العربية والإسلامية الأخرى لتشكيل جماعات نفع عام تضمن لهم صوتاً مسموعاً حتى لضمان حقوقهم هم في الدولة المضيفة!!
.. أعتقد أن الأمر يحتاج إلى تفكير مختلف من الأزهر ومن جامعة الدول العربية، وقنواتها الإعلامية والثقافية، حتى يصل «الإعلام» العربي أولاً إلى المواطنين الغربيين أنفسهم لتوضيح حقائق النزاع العربي الإسرائيلي، وهو أمر «صعب» في ظل مواجهة الآلة الإعلامية الصهيونية الجبارة، وبالتالي لا يمكن أن يتصدى له الإعلام المستقل، بل يحتاج إلى ميزانيات ضخمة، وصبر واحتراف.
وثانياً للعمل على توعية أبناء الجاليات العربية والإسلامية في الخارج لأهمية وضرورة السعي إلى إزالة الخلافات والصراعات بينهم، ومحاولة إنشاء جماعات ضغط «عربية» في دول المهجر تمثل الحد الأدنى من الأرضيات المشتركة وتوصل أصواتهم وطلباتهم، وتحمي مصالحهم، وتشكل «لوبي» يضمن لهم حقوقهم، وأيضاً على السفارات العربية والإسلامية في دول المهجر وخاصة استراليا وكندا والولايات المتحدة، وبعض الدول الأوروبية الجاذبة للهجرة أن تتوافق على بذل جهد موحد يوجه للعرب وللمسلمين عموماً ويعمل على توحيدهم لتشكيل جماعة ضغط «يُعمل حسابها».. وربما.. ربما نجح العرب في المهجر، فيما فشل فيه العرب في الدول العربية!!
وحفظ الله مصر وأهلها من كل سوء.