مسكين المصري في الغربة، تتراكم عليه التساؤلات، ولا يجد من يجيب سوى شاشات فضائيات تعبّر عن مصالح أصحابها، وصحف قومية لم تعد تعرف من يملكها، تعاقب عليها المسؤولون من كل الاتجاهات والمشارب، حتى لم يعد يعرف الشيوعي من الشيعي، ولا الناصري من الإخواني.
.. لذلك لا يصدق المصري المغترب نفسه عندما يجد نفسه وجهاً لوجه مع أحد صناع القرار، والمشاركين في مطبخ السياسة المصرية والعربية،.. وهذا ما حدث عندما زار عمرو موسى الكويت مطلع الأسبوع الحالي للمشاركة في مجلس أمناء مجلس العلاقات العربية والدولية، وانتهزها فرصة للجلوس مع مجموعة صغيرة جداً من المصريين الموجودين في الكويت لم تتجاوز الخمسة عشر مصرياً، حرص منتقوهم على أن يمثلوا أغلب شرائح الجالية المصرية في الكويت (طبيب – مهندس – مدرس – رجل أعمال – إعلامي – أستاذ جامعي – حتى محافظ البنك المركزي السابق محمود أبو العيون).. المهم تدافعت الأسئلة الشغوفة كطلقات الرصاص ليستقبلها عمرو موسى بهدوئه ودبلوماسيته وخبرته وحنكته، وكانت ملاحظتي – التي قلتها بيني وبين نفسي – انها أول مرة أجد الرجل لا يستخدم دبلوماسيته في الالتفاف حول الأسئلة المحرجة، سبق لي حضور جلستين من هذا النوع مع عمرو موسى كان خلالهما «الدبلوماسي المحنّك» عمرو موسى الذي يقول كلاماً كثيراً.. فخيماً.. منمقاً، ولا يعطيك شيئاً!!
هذه المرة شعرت بكمّ الحزن على مصر في عينيه، وبقسوة الموقف الذي تتعرض له المحروسة في انفعالاته، وبخطورة ما يحيط بأم الدنيا وما ينتظرها من تعبيرات وجهه، تختلف أو تتفق مع الرجل، - وأنا أعترف أني لم أكن يوماً من «محبيه» وإن كنت أحترم دوره ووطنيته – فهو أحد من يعملون داخل مطبخ صنع القرار، ويكفي معاناة لجنة الخمسين والخروج بدستور «قيصري» كان يستحيل أن يتوافق عليه خمسة وليس خمسين مصرياً!!
المهم.. رداً على سيل التساؤلات كان رأي عمرو موسى أن التحديات التي تواجهها مصر «شديدة الخطورة»، وان أغلب الناس للأسف لا يدركون هذا، وبالتالي لا يفكرون بطريقة صحيحة لحماية مصر مما يدبر لها، ولو علموا بتفاصيل المخاطر التي تهدد «وجود» مصر، لما انقسموا حول مرشحي الرئاسة.
وقال إن مصر باختصار دخلت مرحلة «تكون أو لا تكون» وتم إنقاذها في اللحظات الأخيرة بإرادة الله، وتحتاج في مرحلة «الوجود الجديد» لكل الدعم والتأييد والمساندة، سواء من أبنائها في الداخل أو المغتربين في الخارج، أو الدول الصديقة والشقيقة، وكشف أن مصر شكلت وفداً رفيع المستوى ذهب الى تركيا عقب 30 يونيو وأوضح الموقف للرئيس التركي ورئيس الوزراء، ولكن للأسف مازالت الأزمة قائمة، أما علاقة مصر بقطر، فيبدو أنه كان سؤالاً شائكاً لم يلتف حوله، ولكنه استغرق برهة مطرقاً.. ثم قال «أؤكد لكم أنها ستحل.. المسألة المصرية- القطرية ستحل، ولكن تحتاج بعض الوقت!!
أعلم أن المسؤولين في مصر لديهم من «الهموم» ما يكفيهم ويزيد، ولكن قرابة 10 ملايين مصري في الخارج يحتاجون للتواصل المباشر مع المسؤولين حتى يظلوا على علاقة بالوطن الأم، ولا ينقطع «الحبل السري» بينهم وبين أم الدنيا أبداً.
جرعة تفاؤل بثها «رئيس لجنة الخمسين» الدبلوماسي «الخبرة».. عمرو موسى، نتمنى أن تتكرر من مسؤولين آخرين.
وحفظ الله مصر وشعبها من كل سوء.